ما إن
يُفتح نقاش بين الأجيال المختلفة حول العلاقة التي طبعت الحياة الزوجية قديما، وما
صارت عليه أحوال الأزواج في الوقت الراهن، حتى يسارع السابقون إلى عرض ذكرياتهم مع
تعنيف الزوجات، ضربا وجرحا وتنكيلا، معتبرين إياها من مظاهر حزم أرباب الأسر
وقوتهم ورجولتهم؛ فيما تراها الضحايا تسلّطًا وتجبّرا في حق جنسٍ ضعيف ولطيف، في
غياب جمعيات ومنظمات وهيئات تهتم بالنساء المعنفات في ذلك التاريخ.
في
المقابل، يرى الجيل الحالي أن ما يُحكى عن الآباء والأجداد لا يمكن تقليده مع
الزوجات في الوقت الراهن، إذ صار الزوج محاصرا بمجموعة من مقتضيات مدونة الأسرة،
ومهدّدا بتدخل الهيئات المناهضة للعنف ضد النساء، ما يدفع الأزواج إلى كبح غضبهم
قدر الإمكان، وكظم غيظهم إلى أقصى الحدود، قبل أن يُقدم أحد الطرفين إلى ارتكاب
جريمة قتل في حق الآخر، وهي الجرائم التي اهتزت العديد من المدن والقرى على وقعها
في الآونة الأخيرة.
عبد الصمد
خشيع، محام بهيئة خريبكة، ومن ذلك "قتل الزوج لزوجته"، رابطا إياها
بأسباب عديدة، منها عامل السن، وهو ما فسره قائلا: "عندما يتجاوز الزوج سن
الخمسين، يعتري العلاقة الزوجية فتورٌ وبرود عاطفي وملل قاتل، إذ تضجر الزوجة من
ذلك الوضع، فيتسرب الشك إلى نفسية الزوج، خاصة إذا أحس بضعف جنسي، يقابله جفاء من
لدن الزوجة، ويظن أنها تخونه أو تفكر في ذلك، فيعمد إلى قتلها لأتفه الأسباب،
وكأنه يتخلص من عقدة خيانة".
وأوضح خشيع
أنه "في بداية معظم الزيجات تكون السلطة المطلقة في يد الزوج، وعندما يكبر
الأطفال ويشتد عودهم يبدأ العد العكسي لسحب كل القرارات من يد ربّ الأسرة، فيحس
بالتهميش والعزلة، ويتسرب إلى نفسه بأن الأمر صار مدبّرا بين الأم وأبنائها، فيعمد
إلى قتلها لوضع حد لما يعتبره استقواء لها، وتهميشا له"، ولو في أمر غير
مقبول، يدفع الزوج إلى عدم استساغة الرفض أو التمرد، فيقرّر قتل زوجته تحت تأثير
الشك، ظنا منه أنها على علاقة بشخص آخر".
أما
المانون حساين، رئيس أكاديمية الدراسات الإنسانية والمجتمع بالجديدة، فأشار إلى أن
"العنف داخل الأسر حاضر بكل أنواعه، وغالبا ما تكون الزوجة هي الضحية في
جرائم القتل بين الأزواج، نتيجة عدة عوامل مرتبطة بالمجتمع، وبنظمه وثقافته
وقوانينه المطبقة، والظروف الاقتصادية وغيرها"، مشيرا إلى أن "الأزواج
مطالبون بالحفاظ على صفاء العلاقات، من خلال التركيز على إيجابيات بعضهما البعض،
والتغاضي عن السلبيات، مع الخضوع لدورات تدريبية قبل الزواج وبعده، قصد المواكبة
النفسية والاجتماعية، والوقوف عند مواطن الضعف والاختلالات النفسية أو
الفكرية".
وأضاف
المامون، أنه "على الأزواج تنمية ثقافة الاعتذار والمسامحة لديهم، مع الحرص
على إدخال روح المرح والنكتة والطرفة في الزواج، باعتبارها ملح العلاقة الزوجية،
وتضفي جوا جميلا يساهم في استمرار المحبة بين الطرفين، مع ضرورة توزيع الأدوار،
والفصل بين مهام كل من الزوج والزوجة، والتخطيط لذلك منذ البداية، تفاديا لحدوث
خلافات مستقبلية، واعتماد الاستماع الجيد والمتبادل بين المعنيين بالموضوع".
وختم
المتحدث تصريحه بالتأكيد على أن "أغلب المشاكل التي تواجه الأسر ترتبط بالأمور
العاطفية، وعدم الاهتمام والتقدير، أو الصعوبات المادية، أو المشاكل الجنسية،
إضافة إلى مشاكل الأطفال وتربيتهم والتعامل مع الأهل"، مشيرا إلى أن
"الوقوف على سبب الداء يجلب الدواء، والمصاب باختلال عقلي أو نفسي لن ينجح في
تكوين أسرة متماسكة وناجحة، بل سيؤذي نفسه وغيره، ما يفرض علينا جميعا إعادة النظر
في رؤيتنا وتصوراتنا لمؤسسة الزواج"، حسب المامون حساين.
أما فتيحة
شتاتو، رئيسة شبكة الرابطة إنجاد ضد عنف النوع، فأشارت إلى أن القتل جريمة وإعدام
وعنف، ووضعُ النهاية للحياة أمرٌ مرفوض مهما كانت أسبابه ومبرراته، مؤكّدة أن
السبب الرئيسي في انتشار ظاهرة قتل الزوجات يتمثل في عدم وجود قانون إطار يحمي
النساء من العنف، ويوفر الوقاية، والحماية، والزجر، والتعويض، وجبر الضرر، وعدم
الإفلات من العقاب، مضيفة أن "مثل هذه الظواهر تنتشر بين الفئات الهشة من
المجتمع، والتي تغلب عليها الأمية والجهل والفقر، والفوارق الاجتماعية وعدم
التربية على المساواة، واعتبار الزوجة ملكية، أو شيئا يمكن التصرف فيه".
وأوضحت
المتحدثة، أن "تلك الظاهرة ترتبط أحيانا بحالات مرضية، كالشك والغيرة، أو
بسبب تناول المخدرات، مستدركة أن وضع حد للظاهرة يقتضي سنّ قانون إطار يوفر
الوقاية والحماية للمرأة، وإنشاء شرطة الأسرة، التي من المفروض أن تنتقل إلى مكان
الوقائع، بمجرد تلقيها اتصالا هاتفيا، أو تبليغا عن وجود عنف أو نزاع، وتفعيل دور
الإعلام في التحسيس والتكوين على حقوق الإنسان"، مشدّدة على ضرورة التوقف عن
اعتبار المرأة حلاًّ للحفاظ على الأسرة، ولو على حساب كرامتها.
إرسال تعليق