باتت
الوساطة الأسرية عنصرا مهمّا في حلّ المنازعات العائلية، سواء تلك التي تقع بين
الأزواج، أو بين الأبوين وأبنائهما، أوْ بينْ أفراد العائلة بصفة عامة، وقد انطلق
العمل بالوساطة الأسرية منذ سنوات السبعينيات في الولايات المتحدة الأمريكية،
ويُعمل بها في عدد من البلدان المتقدمة. وفي المغرب بدأ الاهتمام بهذا المجال ينمو
خلال السنوات الأخيرة.
وتُتيح
الوساطة الأسرية، التي تقومُ بها مراكزُ اجتماعية متخصصة، للأسر إمكانيّة حلَّ
الخلافات والمنازعات التي تنشب بين أفرادها، دونَ اللجوء إلى القضاء، وهُو ما
يجنّبُها المصاريف التي يتطلّبها رفعُ دعاوى أمام المحاكم، من جهة، ومن جهة أخرى،
تُمكّن الأفراد المتنازعين من التوصّل إلى حلول مُرضية باتفاق بينهم.
تقول رانيا
الجزائري، خبيرة لدى منظمة "الإسكوا"، إنّ الوساطة الأسرية تحقق نتائج
إيجابية، وتُعتبرُ وسيلة بديلة للقضاء وتعقيدات المحاكم وما يتبعها من تأخّر في
الفصل في المنازعات.
من جهتها
اعتبرت وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية بسيمة الحقاوي، في
الكلمة الافتتاحية للدورة التكوينية التي تنظمها وزارتها، أنّ الاهتمام بموضوع
الأسرة أصبح ضرورة مُلحّة لحماية تماسكها، باعتبارها رافعة للحفاظ على القيَم
المغربية والموروث الحضاري للمغرب، وتفعيلا للدستور الذي نصّ على أنّ الأسرة
القائمة على الزواج الشرعي هي الخلية الأساسية للمجتمع.
ويُعتبر
الفقر واحدا من أبرز أسباب المنازعات الأسرية، بحسب خليل النوحي، رئيس جمعية
أصدقاء النخلة للتنمية والمحافظة على البيئة بطاطا؛ بحيث "هناك أسباب عديدة،
ولكنَّ التشخيص الذي قمْنا به في مركز الاستماع بيّن أنّ الفقر هو أبرز سبب
للمنازعات التي ترد علينا، والناجمة عن زواج أطراف غير قادرين على تحمّل
المسؤولية، أو بسبب غياب الزوج"، يقول المتحدث.
من جهتها
قالت حفيظة مؤدن، عن جمعية أمّي للتربية والتأهيل الاجتماعي ببركان، إنّ أغلب المشاكل
التي تردُ على مركز الوساطة الأسرية التابع للجمعية، سببها الخلافات بين الأزواج،
ومشاكل الطلاق وما يترتّب عنه، مشيرة إلى أنَّ الفقر يعتبر واحدا من أبرز الأسباب
التي تؤدّي إلى انفراط عُرى الأسر، فضلا عن أسباب أخرى، مثل تعاطي الزوج
للمخدّرات، والسُّكْر، وعدم تحمّل المسؤولية.
ويبْدو
أنَّ الإقبال على مراكز الوساطة الأسرية في المغرب، رغم حداثة التجربة، كبير.
فبحسب إفادة حفيظة مؤدن، فإنَّ مركز الوساطة الذي تشتغل به يستقبل أحيانا عشر
حالات في اليوم، ويعمل المركز على الاستماع إلى الزوجات، ومساعدتهنّ نفسيّا، واستدعاء
الأزواج بدورهم، لكنّ الفاعلة الجمعوية لا تُخفي أنَّ العاملين في المركز يجدون
صعوبة في إقناع الرجال بالحضور، وفي الغالب يجري التواصل معهم عبر الهاتف.
وتشتغلُ
مراكز الوساطة الأسرية مع فاعلين آخرين، مثل المجالس العلمية المحلية، والمساعِدات
الاجتماعيات بالمحاكم والمستشفيات، كما تشتغل بتنسيق مع القضاء. ويرى خليل النوحي
أنَّ أجهزة الوساطة الأسرية التقليدية متواجدة في المغرب منذ القِدم، مثل المؤسسات
الدينية (فقيه المسجد)، والزوايا، ووُجهاء القبائل، "واليوم نقوم بمؤسسة هذه
الوظيفة"، يقول المتحدث.
وبلغ عدد
قضايا المنازعات الأسرية التي وردت على مركز الوساطة الأسرية الذي يرأسه خليل
النوحي، خلال السنة الماضية، 20 حالة، خمْسٌ منها استجابت للوساطة التي قام بها
المركز بشكل مباشر، موضحا أنّه لا يمكن إعطاء رقم محدّد حول عدد الحالات التي تتمّ
تسويتها، لأنَّها تُعالَج حسب كلّ حالة، ويبقى الأهمّ بالنسبة إليه هو أن
"هذا المشروع الاجتماعي غَادي مَزْيان، والمواطنون بدؤوا يثقون في
نتائجه".
إرسال تعليق