"عيش في أمان وسلام وبحث عن استقرار دائم"، هكذا تتخلص حياة عدد من المهاجرين القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، والذين اختاروا الاستقرار في مدينة العيون، حيث يبتعدون عن الصورة النمطية التي تروج حولهم كونهم لا يفدون إلى المملكة إلا من أجل العبور إلى الضفة الأخرى من المحيط المتوسطي.
جاؤوا من مختلف دول إفريقيا جنوب الصحراء، فارين من المعاناة وانعدام الاستقرار، ورغم ضعف المداخيل التي يحققونها من مهن أحسن ما يقال عنها إنها متواضعة، إلا أن أجواء المغرب أضحت تلائمهم وتغريهم، ولم يعد لعدد منهم مطلب غير تسوية وضعيتهم القانونية، واستصدار بطاقة إقامة، تجعلهم معترفا بهم، "لهم حقوق وعليهم واجبات"، على حد تعبير أحدهم.
مهن هامشية
قرص الشمس ذاهب إلى الغروب، يتجمع عدد من تجار الرصيف، أو من يصلح عليهم في اللسان الدارج بـ"الفراشة"، في أحد أبرز الشوارع رواجا بمدينة العيون.. الحديث هنا عن شارع بوكراع، الذي يعد مركزا لتجار مغاربة وموريتانيين، يتاجرون في مختلف السلع: ألبسة وأفرشة ومجوهرات وغيرها من المنتجات التي يأتي بعضها من الشمال، وبعضها من جزر الكناري الإسبانية القريبة من الأقاليم الجنوبية، وحتى بعض السلع القادمة من موريتانيا والسنغال.
أغلب المهاجرين القادمين إلى العيون من إفريقيا جنوب الصحراء يمتهنون التجارة، ولكنها لا تعدو أن تكون تجارة للأرصفة، إذ تحول رصيف شارع بوكراع إلى مركز لهؤلاء الباحثين عن لقمة للعيش في كنف المملكة، بعيدا عن ظروف اللاستقرار التي تعرفها بلدانهم، خاصة القادمون من مالي وكوت ديفوار.
وفي الوقت الذي يمتهن عدد من المهاجرين البناء وإصلاح الدراجات والسيارات، اختار أغلب القادمين من دول الجنوب الاتجار بمنتجات بسيطة، كالساعات المقلدة والعطور ومستحضرات التجميل وغيرها، من أجل توفير دخل مستقل يجنونه من عرق جبينهم، في بلاد وإن اختلفت ثقافتها عن بلدانهم الأصلية إلا أنهم استطاعوا الاندماج فيها، ليبقى الهاجس الوحيد هو تسوية وضعيتهم القانونية.
محمد، شاب سنغالي من العاصمة داكار، لازال عهده بالمغرب حديثا، إذ لم تتجاوز المدة التي قضاها هنا ثمانية أشهر، إلا أن ذلك لم يثنه عن تعلم بعض الكلمات باللغة العربية، وكذا نطق أثمان عدد من منتجاته، والتفاوض مع الراغبين في سعر أقل لسلعته، والتي لا يتجاوز أعلاها سعرا خمسين درهما.
بعيدا عن التنميط
لا يزكي محمد الصورة النمطية حول المهاجرين القادمين من الساحل والصحراء، وأنهم يتخذون من المغرب نقطة عبور إلى "الإيلدورادو الأوروبي"، إذ شدد في حديثه لهسبريس على أنه جاء من أجل البحث عن فرصة أفضل بالمملكة.
ويبدو أن أكثر ما جذب الشاب السنغالي في المغرب هو الأمن والاستقرار الذي ينعم به، مؤكدا أنه لا يوجد فرق كبير في الثقافة بين داكار والعيون، رغم اختلاف اللغة بين الحسانية والفرنسية، "إلا أن ذلك يبقى متجاوزا"، عل حد تعبيره.
محمد، الذي يقطن في حي السكيكيمة وسط العيون إلى جانب أخيه، كشف أنه امتهن في فترة من فترات حياته مهنة التصوير، إلا أنه لم ينجح في الاستمرار فيها، ليختار بعد ذلك شد الرحال إلى المغرب، مؤكدا في الوقت ذاته أن المشكل الوحيد الذي لازال يواجهه هو وثائق الإقامة وتسوية وضعيته القانونية.
هامش ربح ضئيل
ما قاله الشاب محمد لا يختلف معه كثيرا مهاجر سنغالي آخر يدعى البشير، والذي أمضى متنقلا بين المغرب وبلاده أربع سنوات، دون أن تتم تسوية وضعيته القانونية، إذ يؤكد أنه حاول لعدة مرات لكن دون جدوى.
وعلى عكس محمد، زار البشير عددا من المدن المغربية، من الداخلة إلى تطوان ومرتيل، مرورها بمراكش والدار البيضاء، واختار امتهان تجارة الرصيف، خاصة ترويج بعض العطور والساعات، فيما شدد على أنه لم يتعرض لأي اعتداء طوال المدى التي قضاها في العيون.
وطوال حديثه عن وضعه في المغرب، يؤكد البشير أنه لا يواجه مشاكل كبيرة غير مسألة الإقامة التي تؤرقه كباقي المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء، قائلا في الوقت نفسه: "لا يوجد مشكل لغة أو اندماج، فقد تمكنا من تجاوز ذلك بالاستعانة ببعضنا البعض، كما أننا نعيش في أمن وسلام هنا في مدينة العيون".
وكشف المتحدث ذاته أنه تم منح بطاقة الإقامة لعدد من المهاجرين القادمين من مختلف البلدان، وذلك في مدن الرباط والدار البيضاء وأكادير ومراكش، لكن في مدينة العيون لم تسو هذه الوضعية بعد؛ فيما استفادت بعض النساء المهاجرات من ذلك.
ولم يستطع البشير تحديد عدد المهاجرين السنغاليين المقيمين بمدينة العيون، لكنه أكد في الآن نفسه أنهم يتوجهون إلى مهن بسيطة، كالنجارة والبناء، في حين يواجهون مشكل إيجاد عمل والاستمرار فيه لمدة طويلة، على عكس العمال المغاربة الذين قد يستمرون في عملهم لسنوات طويلة.
وعن الأرباح التي يجنيها كتاجر رصيف، يؤكد البشير أن هامش الربح في بعض القطع التي يبيعها لا يتعدى دريهمات، في حين يكون مطالبا نهاية الشهر بأداء سومة كراء الغرفة التي يقطن فيها، والتي ذكر أنها محددة في 400 درهم في الشهر، مضيفا أنه طوال اليوم يقوم بجولة في مقاهي مدينة العيون من أجل ترويج سلعته، إلى أن يستقر به الحال عند مغرب الشمس في شارع بوكراع.
إرسال تعليق