فجرت الأزمة الأخيرة التي اندلعت شرارتها بين المملكة السعودية وإيران، بعد إعدام رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر، شقاقا حادا بين الدول العربية، وكذا الحركات والمنظمات الإسلامية، إذ اختار كل طرف الاصطفاف إلى جانب حليفه، سواء كان في الرياض أو طهران.
ومباشرة بعد إعلان السعودية إقدامها على إعدام رجل الدين المثير للجدل، والمعروف بمواقفه المناوئة لسلطة العائلة الحاكمة، خرجت عدد من التصريحات التي يتهم فيها كل طرف الآخر؛ فيما وصلت حدة الخلاف إلى درجة قطع العلاقات بين السعودية وإيران، في حين اختارت البحرين الاصطفاف إلى جانب حلفيها العربي، وقطع علاقاتها مع الجار الإيراني، الذي لطالما اتهمته بالتدخل في شؤونها الداخلية، واستغلال التنوع الطائفي الذي تعيشه.
أحزاب ذات مرجعية شيعية في عدد من الدول اختارت الدفاع عن طهران، ونددت بإعدام نمر باقر النمر؛ ولعل أبرزها حزب الله اللبناني، المعروف بتحالفه مع النظام الملالي، ونظام الرئيس السوري بشار الأسد، إذ خرج أمينه العام حسن نصر الله ليقول إن "إعدام السعودية لرجل الدين الشيعي نمر باقر النمر يظهر وجهها الحقيقي"، معتبرا أن ما حصل "ليس حادثة يمكن عبورها".
وقال نصر الله، في كلمة ألقاها خلال حفل تأبين لأحد قادة حزبه في الضاحية الجنوبية لبيروت، إن إعدام النمر يقدم ما وصفه بـ"الوجه الحقيقي" للسعودية أمام العالم، وهو "ليس حادثة يمكن عبورها"، مشدد على أن "آل سعود يريدون فتنة سنية شيعية، وهم الذين أشعلوها منذ سنوات طويلة، ويعملون على إشعالها في كل مكان في العالم"، على حد تعبيره.
حزب التوحيد العربي اللبناني، ذو المرجعية الشيعية، أدان هو الآخر إعدام النمر، واصفا منفذي حكم الإعدام بأنهم "ينتمون في عقليتهم إلى العصور البائدة وينمّون عن نزعة تسلطية تفتقد إلى الحكمة وتخاف الرأي الآخر". كما وصفت الأمانة العامة للحزب النمر بـ"رجل العقل والاعتدال والحوار، والذي دفع ثمن شجاعته، وكان سلاحه الكلمة الحرة".
في مقابل ذلك، عبرت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة "إيسيسكو" عن إدانتها التصريحات الصادرة عن حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، ضد المملكة العربية السعودية، بعد تنفيذ حكم الإعدام الأخير، معتبرة أنها "تصريحات طائفية ومتشنّجة ضد السعودية وقيادتها"، ومشددة على أن "حسن نصر الله لجأ إلى التدليس المتعمد بشأن إعدام الإرهابي نمر النمر، الذي ثبت ضلوعه في أعمال إرهابية وخروجه على الدولة، وتحريضه على الإخلال بالأمن، والاعتداء على المصالح العامة والخاصة، والولاء لجهات أجنبية وتلقي الأوامر منها".
رابطة العالم الإسلامي وصفت الإعدامات التي قامت بها المملكة السعودية بأنها لا تعدو أن تكون "إعدامات للإرهابيين"، مشددة على أن ردود فعل إيران هي "أفعال شنيعة"، كما أثنت على ما وصفته بـ"عِصْمَة القضاء السعودي"، في الأحكام القضائية "حدًّا وتعزيرًا" في حق من ثبتت عليهم الجرائم.
واعتبر الشيخ عبد الله بن عبد المحسن التركي، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، وعضو هيئة كبار العلماء، أن "تنفيذ الأحكام الشرعية جاء وفق كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، ودون التمييز بين مذهب أو عرق أو جنسية، ليحقق العدل والأمن للمواطنين والمقيمين في البلاد".
من جهته ذكر "المؤتمر القومي - الإسلامي"، أن خبر إعدام الشيخ نمر باقر النمر ورفاقه،" شكّل صدمة كبرى في العالم أجمع وفي الوطن العربي والعالم الإسلامي على الخصوص ، فالأمر يتعلق بشيخ جليل وعالم من علماء الأمة وبمعتقل رأي"، وبخطورة من شأنها تأجيج الصراعات المذهبية والإحتراب الطائفي ، مما لا يخدم إلا أعداء الأمة والمتربصين بها".
ودعا المؤتمر في بلاغ له،" كافة مكونات الأمة الى توخي الحذر وعدم السقوط في شراك الفتنة والإحتراب والإقتتال، وإلى أن يكون الرد الحقيقي على هذه الجريمة ، كما على مثيلاتها، هو تعميق الحوار وردم الحواجز وإيجاد الحلول لكافة الإشكالات المطروحة"، وفق تعبير خالد السفياني المنسق العام للمؤتمر القومي - الإسلامي.
ورغم خروج عدد من الأحزاب والمنظمات الإسلامية بمواقف واضحة من هذه الأزمة، إلا أن عددا من الأحزاب الأخرى، في مجموعة من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، اختارت الالتزام بالصمت، وعدم إبداء أي موقف من إعدام النمر باقر النمر، كحركة النهضة التونسية، وجماعة الإخوان المسلمين المصرية، وحركة حماس الفلسطينية، وغيرها.
الاتجاه نفسه سلكته الأحزاب والحركات المغربية ذات المرجعة الإسلامية، والتي لم تصدر إلى حدود اليوم أي موقف بشأن الأزمة الأخيرة، في الوقت الذي أمسكت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون العصا من الوسط، ودعت جميع الأطراف إلى التحلي بـ"الحكمة".
إرسال تعليق